الدكتورة دعاء الهلاوي: الوادي الجديد…الكنز المخفي في قلب الصحراء

تخيلوا معي صحراء شاسعة، تمتد بلا نهاية، رمال ذهبية تحت الشمس، وسماء صافية بلا حدود… هذا هو الوادي الجديد. عندما يفكر الكثيرون في الصحراء الغربية، يراها مجرد فراغ صامت، لكن الحقيقة مختلفة تمامًا. فداخل هذا الامتداد الهادئ يكمن كنز ضخم، يغطي نحو 44% من مساحة مصر، ويحتوي على إمكانات لم تُستغل بعد.
رحلتنا تبدأ تحت الرمال، حيث تختبئ مخزونات المياه الجوفية النقية. المياه هناك ليست مجرد حياة للنباتات، بل فرصة لتغيير خريطة الزراعة في مصر. الأرض خصبة، المناخ جاف يقلل الأمراض والآفات، والمياه وفيرة وعالية الجودة. هنا يمكن أن يُزرع القمح والزيتون والعنب والتمور، وبالذات البلح السيوي، الذي يحمل في طعمه وعدًا بأن يصبح سلعة تصديرية قوية على مستوى العالم.
ثم نرفع أعيننا نحو السماء، لنكتشف ثروة أخرى: الشمس. الوادي الجديد يستقبل أشعة الشمس بأقصى قوتها، ما يجعله المكان المثالي لإنشاء محطات الطاقة الشمسية العملاقة ومشروعات الهيدروجين الأخضر في المستقبل. المساحات الشاسعة الفارغة تمنحنا الفرصة لبناء محطات طاقة ضخمة بتكلفة منخفضة، ليصبح الوادي مركزًا للطاقة النظيفة يخدم الصناعة والمجتمعات العمرانية الجديدة.
وعندما نحفر أعمق، نجد قلب الأرض مليئًا بالثروات المعدنية: فوسفات، رمال بيضاء، حجر جيري، وطفلة. هذه الموارد يمكن تحويلها لصناعات ذات قيمة اقتصادية عالية، من الأسمدة إلى الزجاج ومواد البناء، بدلاً من تصديرها كمواد خام فقط.
لكن الوادي الجديد ليس مجرد أرض وزراعة وطاقة. إنه أيضًا قصة طبيعة وسحر. واحات هادئة، صخور منحوتة على مدى آلاف السنين، عيون كبريتية تشفي المرضى، وآثار تاريخية تحكي قصصًا من الماضي: معبد هيبس، مقابر البجوات، وعمارة الداخلة الطينية. كل هذه المقومات تجعل الوادي وجهة سياحية فريدة، من سياحة البيئة إلى العلاج الطبيعي وسفاري الصحراء.
رغم كل هذه الكنوز، يظل الوادي الجديد فرصة لم تُستغل بعد. مع استثمارات ذكية وتخطيط متكامل، يمكن أن يصبح محور التنمية الرئيسي لمصر في السنوات القادمة.
الوادي الجديد ليس مجرد صحراء واسعة، بل قصة انتظار. قصة كنز مخفي، ينتظر من يكتشفه ويستثمره. مفتاح الأمن الغذائي، والطاقة النظيفة، والتوسع العمراني، والنهضة الصناعية. باختصار، الوادي الجديد هو مشروع مصر القادم… إذا قررنا أخيرًا رفع الغطاء عن هذا الكنز. 