مقالات

رشا الشايب تكتب :جنود مجهولون فى البترول

جنود لا يعرفهم أحد ولا يسمع عنهم أحد ولم تذكرهم أي وسيلة إعلام مصرية، جنود خارج دائرة الضوء، نصروا هذا الوطن، وعلى استعداد بالتضحية بأرواحهم في سبيل بنائه ورفعة شأنه لا يقلون بطولة عن جنود جيشنا البواسل أعزهم ونصرهم الله .

هم مهندسو وعمال خطوط الغاز (المنشآت الغازيّة) والتي أصبح بعضها مؤخرًا مستهدفًا بالتفجير أو الدمار أو التعطيل من قبل جماعات الظلام منذ ثورة يناير 2011 وحتى الشهور القليلة الماضية.

وأذكر لكم مثالًا لخط غاز طبيعي بات باستمرار تحت خط النار، في منطقة تتعرض باستمرار لهجمات إرهابية في أرض سيناء الغالية (خط أنابيب الغاز المصري في شمال شبه جزيرة سيناء بمدينة العريش)، مرصود من منظمات إرهابية مختلفة، ومُصنّف كأكثر الخطوط عرضة للتفجير، عدد مرات تفجيره تجاوزت الـ36 مرة .

ورغم أن هذا الخط توقف تصدير الغاز من خلاله إلى إسرائيل منذ عام 2012، ورغم قيام هذا الخط بتغذية منازل ومصانع ومحطات كهرباء العريش بالغاز الطبيعي إلى أن أعمال العنف والتفجير لم تتوقف .

وليس في هذا الخط فقط، فقد أصيبت خطوط غاز عديدة جراء انفجارات وعمليات إرهابية خسيسة يهدف أصحابها من ورائها إلى تدمير البنية التحتية للدولة المصرية كخط الغاز الرئيسي بالعاشر من رمضان وخط الغاز بمنطقة منشية دهشور.

وأقصد هنا بالتحديد عمال ومهندسو تشغيل (خط غاز العريش) بقطاع البترول، بالإضافة إلى من يقومون بعمليات الإصلاح فور التفجير والعمل على إعادة تدفق الغاز من جديد.

– لم لا تتطرق وسائل الإعلام إلى أوضاع العاملين في هذه المناطق الخطرة؟ خاصة أنهم عُزّل لا يحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم.

– لم لا يتم إظهار الدور المحوري الذي يقوم به هؤلاء في التعامل مع الخط الذي يتم تفجيره، حيث يتم عزله والعمل على إصلاحه وإعادته للحياة مرة أخرى بأقصى سرعة، في فترة لا تتجاوز الأسبوع على الأكثر .

– أليس من الممكن أن يكون هناك احتمالات بتواجد قنابل قريبة جدًا من مواقعهم، وعلى وشك الانفجار، أثناء قيامهم بعمليات الإصلاح،أي في وقت الإصلاح ذاته؟ ولا يُثنيهم ذلك عن عملهم وإتمام المهمة في أسرع وقت ممكن.

– لم لا يتم تسليحهم وتدريبهم على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم .
– أليس صمودهم كالجبال الراسيات في وجه الإرهاب من أجل تقدم وبناء دولتنا الغالية ورفضهم الاستسلام أو الخنوع أو الإضرار بمصالح أهل الوطن الأعزاء أمر يستحق النظر والتأمل .

من منّا يستطيع أن يصف مشاعر إنسان يعمل تحت وطأة الخوف، بل قل الرعب من أن يلقى حتفه في أي لحظة،ففي منطقة سيناء احتمالات الموت تكاد تكون أكيدة .

أنا عن نفسى لا أستطيع وصف شعور شخص يشم رائحة الموت كل ثانية إلى أن أصبح لا يهابه، اعتاد على سماع أصوات الانفجارات باستمرار، أو رؤية ملثمين، أو أن يُرفع في وجهه السلاح، أصبحت مشاهد ألسنة النيران وهى ترتفع عشرات الأمتار في عنان السماء أمرًا عاديًا حُفر في ذاكرته مراتٍ ومرات، وليس ذلك كل ما في الأمر، لا والله، بل أضف إلى ذلك ما هو أشد وأعظم، تهديد الإرهابيين لهم بعدم تشغيل الخط مرة أخرى وإلا ستكن حياتهم هي الثمن.

أيّ رعبٍ هذا تملّك قلوب هؤلاء الأبطال (العُزّل)، بل قل أيّ إيمان أو إخلاص للوطن تملك قلوبهم، كان من الممكن أن يهربوا أو يطلبوا نقلهم، ولكنهم في كل مرة يحدث فيها التفجير يرفضوا الاستسلام، فلم يجبنوا أو يفروامن تحمل المسئوليةبل التزموا بمواقعهم، ووضعوا نُصب أعينهم هدفا واحدا ألا وهو البناء، ورفع راية هذا الوطن والتعهد بحمايتها من السقوط.

فلم ولن ينقطع الغاز، ولم ولن تتعطل المصانع عن الإنتاج.

وحتى لو قُدّرت جهود هؤلاء بالمال، فَصِف لي كم هو المبلغ الذي يُقابله احتمالية الموت وفقدان نعمة الحياة، والتي تعتبر هي ونعمة الأمان من أعظم نعم الله علينا؟

ما هي الجنيهات، والتي مهما بلغ حجمها، التي تعادل الشعور بالرعب والخوف من الموت أثناء تأدية الواجب؟ كم يساوى العمل تحت وطأة الإرهاب المسلح؟

والله لو وُضعت كل كنوز الدنيا أمام الشعور بلحظة رعب واحدة أو اقتراب من الموت لما وازنتها!!

هؤلاء رجال، يعملون في صمت، لا ينتظرون عطاءً أو شُكورًا، فأعظم أهدافهم استمرار عجلة الإنتاج، وأهم صفاتهم الإصرار والوفاء والإخلاص لعملهم، فهي في جيناتهم تسرى في دمائهم، وما أحوجنا الآن إلى هذه الصفات في كل قطاعات الدولة، خاصة في ظل الظروف شديدة التعقيد التي تمر بها البلاد.

وفى النهاية أتساءل: أليسوا أبطالًا يستحقون التقدير والتكريم من قبل الدولة؟

أليسوا قدوة لغيرهم في تقديس العمل ورفع راية الوطن؟

فبناء الأوطان يحتاج يد تبنى ويد تحمى الحدود، يد تُعمر ويد تحمل السلاح.

فبناء الوطن شرف.. والتضحية من أجله كرامة.. والموت في سبيله عزة وشهادة.. حفظ الله مصر أرضًا وشعبًا وجيشًا.. لا شك أن الحياة أكبر نعم الله علينا.

هذا المقال منشور أيضا فى فيتو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
slot server jepang