أسعار النفط تواجه إشكالية ثلاثية الأبعاد.. استهداف منشآت النفط وقرارات أوبك وضغوط اقتصادية
[ad_1]
لم يكد يمر أسبوع واحد على المحادثات التي أجراها أعضاء منظمة “أوبك” لخفض إنتاج النفط بهدف دفع أسعاره إلى الارتفاع العالمي، حتى جاء الهجوم الإرهابي الأخير على معملين تابعين لشركة “أرامكو” السعودية ليثير مخاوف عالمية من ارتفاع أسعار النفط أو تأثر إمدادات النفط العالمية، وهو ما انعكس على وسائل الإعلام الدولية.
فقد نشرت هيئة الإذاعة البريطانية تقريرا تحت عنوان “الهجمات على المنشآت النفطية في السعودية… هل ترتفع أسعار الوقود؟”، أشارت فيه إلى أن تكلفة برميل النفط الخام بلغت 60 دولارا أمريكيا يوم 13 سبتمبر الجارى، فيما يعتقد بعض المحللين أن ذلك الثمن قد يرتفع إلى 80 دولارا أو أكثر، كاستجابة سريعة للهجمات الإرهابية على منشآتي “أرامكو”.
وتحت عنوان “هجمات على منشآت سعودية تثير المخاوف بشأن إمدادات النفط”.. نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرا نقلت فيه عن محللين في أسواق النفط “قد يرتفع سعر النفط من 5 دولارات إلى 10 دولارات للبرميل إذا تبين أن الضرر كبير”.
واتهمت الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، إيران بمهاجمة المنشأتين النفطيتين وقال بومبيو على «تويتر» إن “طهران وراء نحو 100 هجوم تعرضت له السعودية في حين يتظاهر روحاني وظريف بانخراطهما في الدبلوماسية”.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الاثنين أن الولايات المتحدة “على أهبة الاستعداد” للرد على الهجوم الإرهابي الذي استهدف معملين لأرامكو السعودية، وقال ترامب على حسابه في “تويتر”، إن “إمدادات النفط في السعودية تعرضت لهجوم. هناك سبب يدفعنا إلى الاعتقاد بأننا نعرف المرتكب، ونحن على أهبة الاستعداد للرد على أساس عملية التحقق، لكننا ننتظر من المملكة (السعودية) أن تخبرنا من تعتقد أنه سبب هذا الهجوم، وبأي شكل سنمضي قدماً”.
تداعيات اقتصادية وردود دولية
يرى مراقبون أن هوامش ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، تبقى محدودة إلا إذا تفاقمت الأوضاع الجيوسياسية والأمنية في منطقة الخليج، وتصاعدت التهديدات الإيرانية للممرات النفطية في الخليج، على خلفية حوادث النفط البحرية التي شهدتها المنطقة مؤخرا وما زالت تداعياتها مستمرة.
كما أن هذا الهجوم الأكبر من نوعه حمل تأثيرات كبيرة، اقتصاديا، وسياسيا، فمن الناحية الاقتصادية، وإن لم يكن تأثيره قد ظهر حتى اللحظة من خلال أسعار النفط، إلا أنه تمكن من إيقاف نصف الإنتاج النفطي السعودي، الأمر الذي سيؤدي بحسب الخبراء إلى ارتفاع حاد في أسعار برميل النفط، بحيث قد يلامس الـ100 دولار أمريكي.
وجاءت ردود الفعل العربية والعالمية على استهداف منشآت أرامكو النفطية قوية، عكست الإدراك السياسي للتأثيرات الاقتصادية لمثل هذه الأعمال، ليس فقط على أسعار النفط العالمية، ولكن على عملية التنمية العالمية ومعدلات النمو في الاقتصاد العالمي.
وجاء الموقف البريطاني مؤكدا أن ما حدث يمثل انتهاكا سافرا للقانون الدولي، على حد وصف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، وقال “هذا هجوم خطير للغاية على السعودية والمنشآت النفطية، وله تداعيات على أسواق النفط العالمية والإمدادات.. إنه عمل خطير للغاية، ويتعين أن يكون لدينا رد دولي واضح وموحد لأقصى حد عليه”.
إلى ذلك، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، إن بلاده تعمل مع شركائها لمعرفة منفذ الهجمات على منشآت النفط السعودية، مضيفا أن الهجمات تثير خطر تصاعد الأوضاع.
ومن جانبه، حذر الاتحاد الأوروبي مما أسماه “تهديد حقيقي للأمن الإقليمي” في الشرق الأوسط بعد الهجمات على المنشأتين النفطيتين بالسعودية، وقالت فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد – في بيان لها – “الهجوم بطائرات مسيرة على منشأتي أرامكو النفطيتين في السعودية يمثل تهديدا حقيقيا للأمن الإقليمي”.
قرارات أوبك وأسباب التراجع
توافقت مجموعة أوبك خلال اجتماعها الأسبوع الماضي على وضع قيود على الإنتاج القادم من العراق ونيجيريا بما يتماشى مع الأهداف المحددة، ومن المتوقع أن تقوم الدولتان بكبح الإنتاج بواقع 232 ألف برميل يوميا بما سيعزز من مستوى التزام «أوبك» وحلفائها بصفة عامة، ومن المقرر أن تقوم «أوبك» وحلفاؤها باتخاذ قرارها بمراجعة السياسة العامة في اجتماع ديسمبر 2019 من أجل رفع أسعار النفط.
وجاء قرار خفض الإنتاج مجددا على خلفية استمرار تعرض النفط للمزيد من الضغوط على مدار الأسابيع الماضية في ضوء الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تستمر في التأثير على الأسواق العالمية.
ولكن ثمة مجموعة من الأسباب التي أدت لتراجع أسعار النفط العالمية وهي: أولا: ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل معظم العملات الرئيسية وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يؤثر ذلك على الطلب على النفط في المدى القريب بما يحد من حفاظ أسعار النفط على اتجاه إيجابي مستدام.
ومن ضمن الإشارات الدالة على التباطؤ الاقتصادي، قيام البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي بخفض سعر الفائدة على الودائع للمرة الأولى منذ مارس 2016 إلى مستوى قياسي جديد بلغ سالب 0.5%، معلنا عن تطبيق جولة جديدة من برنامج التيسير الكمي، لتوفير عوامل تحفيزية جديدة لتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة.
ثانيا: تراجع معدل استهلاك الهند من النفط إلى أدنى معدلاته في 9 أشهر على خلفية تراجع مبيعات السيارات والتباطؤ الاقتصادي بصفة عامة، كما أدى تباطؤ الطلب المحلي في الصين إلى دفع الحكومة للحد من القيود المفروضة على البنوك وخفض متطلبات الاحتياطي.
ثالثا: ظهور تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تغض الطرف بعض الشيء عن العقوبات المفروضة على صادرات النفط من إيران وفنزويلا، وفي أعقاب التغييرات السياسية الأخيرة في أمريكا والتي تمثلت في إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون مهندس ممارسة سياسة “الضغط الأقصى” على إيران وتصعيد العقوبات الاقتصادية، كما صرح وزير النفط الفنزويلي بأنه على ثقة من قدرة بلاده على العودة لإنتاج النفط بحلول نهاية عام 2019.
رابعا: تشير بعض التحليلات إلى أن تقديرات نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة قد تكون أعلى من المعدلات الفعلية، وأن تسجيله لنمو إضافي قد يكون أقل من المتوقع، وأظهرت البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تراجع الإنتاج بواقع 33 ألف برميل يوميا على أساس شهري في يونيو الماضي، بالإضافة إلى ذلك، هناك دعم متزايد من الساسة الأمريكيين لحظر التنقيب، وذلك رغم استبعاد حدوث ذلك على المدى القريب.
خامسا: تم خفض تقديرات الطلب العالمي على النفط لعام 2019 مجددا بواقع 0.08 مليون برميل يوميا، ليصل معدل النمو المتوقع إلى 1.02 مليون برميل يوميا، حيث يتوقع أن يصل في المتوسط إلى 99.84 مليون برميل يوميا. وتعكس تلك المراجعة تراجع تقديرات نمو الطلب على النفط التي جاءت أقل من المتوقع في الدول التابعة وغير التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال النصف الأول من عام 2019. حيث تم خفضها بواقع 0.03 مليون برميل يوميا، و0.05 مليون برميل يوميا للعام بأكمله للمنطقتين المذكورتين على التوالي.
سادسا: وفقا لمنظمة “أوبك”، ارتفع المعروض النفطي في أغسطس الماضي بنمو يصل إلى 0.83 مليون برميل يوميا مقارنة بيوليو الماضي، ليصل في المتوسط إلى 99.24 مليون برميل يوميا، وتعزى تلك الزيادة لتزايد إنتاج الولايات المتحدة وكندا وماليزيا والبرازيل وروسيا. وقد أدى ارتفاع إنتاج الدول غير الأعضاء بمنظمة «أوبك» إلى انخفاض حصة المنظمة في السوق بواقع 10 نقاط أساس، لتصل إلى 30 % في أغسطس.
يبقى القول إنه بعد ثمانية أشهر من التراجع، ارتفع إنتاج “أوبك” في أغسطس 2019 على خلفية تزايد الإنتاج السعودي والنيجيري بصفة رئيسية، حيث بلغ إنتاج السعودية في المتوسط 9.8 مليون برميل يوميا، أي بزيادة قدرها 50 ألف برميل يوميا (118 ألف برميل يوميا وفقا لمصادر «أوبك» الثانوية)، بينما رفعت نيجيريا الإنتاج بواقع 60 ألف برميل يوميا وبلغ متوسط إنتاجها 1.95 مليون برميل يوميا.
Source link