الأستاذ الدكتور محمد محمود عبد الله يكتب :الموارد البشرية في ظل التنمية المستدامة: نظرة تفاؤل وغدٌ مشرق لقطاع البترول المصري

يُعدّ الاستثمار في العنصر البشري هو الاستثمار الأذكى والأكثر استدامة في حاضر ومستقبل قطاع البترول المصري. فالقيمة الحقيقية لأي صناعة لا تُقاس فقط بحجم الإنتاج أو عدد الآبار، بل تُقاس بمدى جاهزية الإنسان القادر على الإبداع والتطوير ومواكبة متطلبات العصر.
وفي ظل التحول العالمي نحو التنمية المستدامة، أدركت الدولة المصرية ووزارة البترول والثروة المعدنية أن بناء القدرات البشرية ليس ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة إستراتيجية لضمان استمرارية النجاح وتعظيم القيمة المضافة.
لقد شهد قطاع البترول المصري في السنوات الأخيرة طفرة حقيقية في مجال تنمية الموارد البشرية؛ فبحسب بيانات الوزارة بلغ عدد العاملين بشركات القطاع المختلفة نحو 245 ألف موظف، جرى حصر بياناتهم في قاعدة مركزية موحدة تتيح تخطيط المسار الوظيفي وإدارة الكفاءات وفق أسس علمية حديثة. كما تم إطلاق برامج متكاملة للتأهيل والتدريب، مثل برنامج إعداد القيادات الشابة والمتوسطة، الذي يُعَدّ نموذجًا ناجحًا في تمكين الكفاءات الواعدة وإعداد صف ثانٍ من القيادات المؤهلة لإدارة المستقبل.
وتؤكد رؤية وزارة البترول أن التنمية المستدامة لا تتحقق إلا بتكامل ثلاثة أبعاد: الاقتصادي، والبيئي، والبشري. ومن هنا جاء التركيز على الرقمنة والتحول الذكي في إدارة الموارد البشرية، عبر تطبيق نظم الـ ERP ونماذج تقييم الأداء القائمة على الكفاءة والإنتاجية، إلى جانب تعزيز ثقافة السلامة والحوكمة والمسؤولية البيئية داخل مواقع الإنتاج.
ولا يمكن إغفال دور الشراكات مع كبرى الشركات العالمية، مثل اتفاقية التعاون بين وزارة البترول وشركة شل مصر في مجال تنمية الكوادر وتبادل الخبرات، وهو ما يعكس التوجه نحو عالمية الفكر وجودة الأداء. كما تم التوسع في برامج التدريب الخارجي، وإيفاد العديد من العاملين للحصول على شهادات مهنية متخصصة في إدارة الأعمال وهندسة الطاقة والحوكمة المؤسسية.
إن نظرتي المتفائلة لمستقبل الموارد البشرية في قطاع البترول المصري تستند إلى حقائق واقعية ومؤشرات واضحة. فاليوم تتوافر لدينا قيادة واعية، ورؤية إصلاحية طموحة، وإيمان راسخ بأن “الإنسان هو محور التنمية وغايتها”. ومع استمرار الاستثمار في العقول قبل الآلات، سنشهد خلال السنوات القادمة جيلاً جديدًا من المهندسين والفنيين والإداريين يمتلك أدوات التحول الرقمي، ويدير ثروة مصر البترولية بكفاءة عالمية تتسق مع أهداف رؤية مصر 2030.
إن مستقبل هذا القطاع الواعد مرهون بقدرتنا على تحويل الكفاءات البشرية إلى طاقة فكرية منتجة، تجمع بين الخبرة والانضباط والابتكار. وغدًا، بإذن الله، سنرى قطاع البترول المصري نموذجًا يحتذى به في التنمية المستدامة، محليًا وإقليميًا، بفضل أبنائه المخلصين الذين آمنوا بأن التنمية تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه.
مع اطيب الامنيات بالتوفيق
د محمد محمود عبدالله
دكتوراة إدارة الأعمال .. الموارد البشرية..
كلية التجارة جامعة قناة السويس