شادى أحمد يكتب : حين يختبرنا الدخان

لم يكن الحريق الذي التهم سنترال رمسيس مجرد ألسنة لهب تتراقص على جدران قديمة. كان اختبارًا. اختبارًا لإنسانيتنا، لمسئوليتنا، لفهمنا لما يعنيه أن نعيش معًا في وطن واحد.
لقد انطفأت معه أنظمة الاتصالات، وانقطعت السبل بين الناس وأحبائهم، وتعطلت ماكينات السحب، وتوقفت الحياة في لحظات حرجة. مشاهد لم تفضح فقط هشاشة أنظمتنا، بل فضحت أيضًا غياب الوعي الجمعي بأهمية الوقاية والتأهب.
نعم، من السهل أن نرفع أصابع الاتهام ونلقي اللوم على المسؤولين، فالإهمال واضح، وانعدام خطط الطوارئ صارخ. لكن، ألسنا جميعًا مسؤولين؟ أين كنا نحن، كشعب، قبل أن يشتعل الحريق؟ لماذا لم نطالب ببدائل وحلول؟ لماذا اكتفينا بالتصوير والفرجة بدلًا من أن نكون جزءًا من الحل؟
وسط هذا كله، كان هناك رجال يركضون عكس اتجاه الجميع. رجال يدخلون النار بأقدامهم، لا بألسنتهم. رجال يقفون في قلب الدخان واللهب ليحفظوا أرواحنا ومقدراتنا. رجال الإطفاء هؤلاء لم يرفعوا شعارات، ولم ينتظروا شكرًا، ومع ذلك هم أول من يستحق أن نقف أمامه احترامًا، لأنهم علمونا أن المسئولية فعلٌ لا قول.
ولأن هذا الدخان حمل معه أرواحًا بريئة صعدت إلى السماء، لا يسعنا إلا أن نسأل الله أن يتغمد المتوفين برحمته الواسعة، وأن يلهم أسرهم الصبر والسلوان. هؤلاء ضحايا ليسوا فقط لحريق عابر، بل لغياب الوعي والوقاية التي كان من الممكن أن تحميهم.
“النار لا تحرق فقط الأبنية، بل تكشف معادن البشر. إما أن ننهض معًا، نتحمل نصيبنا من المسئولية، ونطالب بحقنا في أنظمة تحمينا؛ أو ننتظر حتى تلتهمنا النيران القادمة. الوطن مسؤولية مشتركة، والدخان لا يميز بين مقصرٍ ومشاهد.”
“رجال الإطفاء يدخلون النار لينقذوا أرواحنا.. فهل سندخل ضمائرنا لننقذ وطننا؟
رحم الله من رحلوا، وألهم ذويهم الصبر، وحفظ الله هذا الوطن وأهله من كل سوء.”