أحمد شادى يكتب: ضجيج بلا أثر

من داخل الاستوديو، على الشاشات والهواء مباشرة، يتدفق الكلام بلا حدود: تصريحات نارية، حوارات مطوّلة، تحليلات سياسية واجتماعية، ونقاشات لا تنتهي. وفي الخلفية، موسيقى حماسية و”عناوين عاجلة” بالخط الأحمر. مشهد أشبه بسوق ضخم للكلام، حيث الكل يتكلم ولا أحد يصغي، وحيث الصوت الأعلى هو اللي يكسب، حتى لو كان بلا مضمون.
لكن وسط هذا الزحام، الحقيقة المرة بتظهر: الكلام كتير، بس الأثر قليل.
الجمهور بقى واعي، وخصوصًا الشباب. بقى عندهم قدرة يميزوا بين “الكلام للعرض” و”الكلام للوعي”. ما بقاش ينفع تخدعهم بـ”شو إعلامي” أو جملة منمقة في برنامج.
والأوضح كمان بيبان في موسم الدعاية الانتخابية. زمان كان الملصق والشعار والهتاف كفاية يخلي الناس تصدق وتتحرك. دلوقتي اللعبة اتكشفت: المواطن بقى فاهم إن الورق الملوّن مش برنامج، وإن الشعارات الرنانة مش حلول. حتى الخطابات الطويلة في الاستوديوهات، ما بقتش تسحر حد؛ بالعكس، بقت تكشف أكتر قد إيه في ناس بتبيع وهم تحت عنوان “نحن معكم”.
الناس بقت تفهم إن وراء كل كلمة هدف، ووراء كل وعد حسابات، ووراء كل مشهد على الشاشة مخرج بيوجه اللقطة.
فما عادش يكفي تعمل “ترند” علشان تكسب عقول وقلوب.
الحقيقة اللي لازم نعترف بيها: الوعي سبق الضجيج.
المواطن بقى يسمع ويفلتر، يشوف ويفكر، ويقارن بين الكلام والفعل.
ومن هنا ييجي السؤال اللي لازم الإعلام والسياسة والدعاية يجاوبوا عليه:
هل هيفضل الكلام مجرد ضجيج بلا أثر؟
ولا حان الوقت إن الرسالة تبقى صادقة، والمسؤولية حقيقية، والكلام يقترن بالفعل؟