الدكتور أسعد الهوارى يكتب..مسكين ابن ادم
علمونا ونحن أطفال أن طائر البوم شؤم ..وأن الغراب يأتي بالخراب ..وأن الثعلب ماكر ..والذئب غدار..وأن الجمل يحمل الغيظ في قلبه ..وعلمونا أشياء عن الحيوانات لم نجدها فيهم ..بل وجدناها فقط في كثيرا من البشر حين أدركنا .. أن الحيوان يعلم الحلال من الحرام .. فالقطة تأكل ما تلقيه لها بيدك وهي جالسة عند قدميك تموء وتتمسح ، وإذا خطر لها سرقة لقمة كان لها موقف آخر ، فراحت تتلفت النظر في اليمن والشمال، ثم هبشت قطعة السمك وولت ، لتأكلها في الخفاء وهى أفعال تدل علي تميز مؤكد بين اللقمة الحلال والحرام ، وهذه الأولي ، إما الثانية ، الأسد الذي أغتال مدربه وقتله غدرا ، فقد أنطوي علي نفسه في حالة اكتئاب ورفض الطعام ، فقدموا له أنثي لتسري عنه ، فرضها في قسوة وطردها ، وأصابه حالة جنون ، فراح يعض جسده وهو علي ذيله بأسنانه فقطعه نصفين ، ثم راح يعض ذراعه ، الذراع نفسها التي أغتال بها مدربه ، وراح يأكل منها في وحشية ، وظل يأكل من لحمها حتى نزف ومات ، ندم حيوان وملك نبيل من ملوك الغاب عرف معني الوفاء ، ودرس يعطيه حيوان للبشرية .. وأخطر عدو للإنسان عاداته لأنها مع الوقت والتكرار والانتظام تغرس جذورها تحت الجلد وتنمو، ثم تجري في الإنسان مجري الدم ، إن الإنسان إذا أسلم سفينة حياته للأهواء ..مزقت الأهواء شراعه وحطمت مجدافه ..وأصبحت حياته في يد الموج ..موج الهوا والمنافع ..كل يوم علي حال ..فأصبح عقله في خدمة جنون رغباته إلا نهاية ، وأسوا أنواع الابتلاء أن تبتلي بغليظ الفهم محدود الإدراك يري نفسه أفهم الخلق وهو أجهلهم .. كم نحن مسكين أبناء أدم حينما يقول أحدنا .. أتخرج وأرتاح .. أتزوج وأرتاح .. أحصل علي وظيفة وأرتاح ..أشتري بيت أو سيارة وأرتاح ..أسافر وأرتاح .. أسلب حق الآخرين وأرتاح ..أجلس علي كرسي السلطة وأرتاح ..أنصب علي الناس وأرتاح ..وغيرها من الأمور الدنيوية ذات الصلة بالمنافع الخاصة ..إياك يا أبن ادم تظن أن توفير المال وسكن مريح وغيرها هو الأمان ،فالمال عبد مخلص ، لكنه سيد ردؤ ، هو عبدك حين تنفقه ، ولكن حين تخزنه وتتكالب عليه يشقيك ويمرضك لأنك أصبحت له خادما ،فقد يكون رزقك المتأخر أفضل من أرزاقهم المتقدمة فأصبر ، فقد تستطيع أن تكذب علي بعض الناس بعض من الوقت ، ولكن لن تستطيع أن تكذب علي كل الناس كل الوقت ، حتى لو أقمت علي حراسة هذا الكذب الدبابات والمدافع والمتاريس ، فالسارق الذي يسرق في غفلة والنصاب يتصوران في العادة أنهم يقومون بعمل من أعمال الذكاء ، والانتهازي الذي يصعد علي أكتاف الآخرين بأساليب متنوعة واختلاس الفرص يعتقد أنه أمهر وأقدر من غيره ، كما يتخيل صاحبنا الذي يتهرب من الضرائب أنه شاطر وصاحب حيلة واستطاع أن يفوز بنصيب الأسد في متجمع المغفلين ، لو أن هؤلاء تابعوا فاتورة أعمالهم إلي مجموعها النهائي لفاجئوا بأن الأعمال ترد علي صاحبها ، فالشر والفساد لهم دورة يدوروا فيها ويوزع فيها الأضرار علي كل من يمر بهم ولا يزال ينتقل حتى يصل إلي صاحبة فيصبه .
خلاصة القول أذا عجزت وأصابك البهت التام وأدركت أنك جاهل فقد علمت ..وإذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد فاعلم أنك عزيز عنده .
روائي دكتور / أسعد الهواري
الشركة العامة للبترول