أخبار البترولمميز

المهندس أحمد سليمان يكتب: أمن الطاقة المصري بين نيران الحرب ومتطلبات البقاء: خارطة الطريق

في زمن تتشابك فيه خيوط الحرب والسياسة والطاقة، تقف مصر أمام لحظة فاصلة. لحظة تختبر فيها قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، خصوصًا في ملف بالغ الحساسية: أمن الطاقة. هذا المقال لا يشخّص الأزمة فقط، بل تطرح إطارًا عمليًا للحلول، يستند إلى معطيات الواقع، ورؤية علمية، وخبرة عملية في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

أولًا: تداعيات التوترات الجيوسياسية على أمن الإمدادات إغلاق خط “شرق المتوسط” وتزايد التهديدات في البحر الأحمر ألقيا بظلال كثيفة على تدفقات الغاز الطبيعي إلى مصر. لتلبية الاحتياجات العاجلة، اضطرت الدولة إلى استيراد الغاز المسال بأسعار تتراوح بين 11 و12 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية.

ثانيًا: البنية التحتية.. قاعدة الصمود ومصدر الثقة من الإنصاف الإشارة إلى أن الدولة المصرية، خلال السنوات العشر الماضية، وتحت قيادة وتوجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، قامت بطفرة نوعية في تحديث وتوسيع شبكات ومحطات إنتاج الكهرباء. هذه الجهود مكّنت الدولة من تحقيق فائض في الإنتاج، وتحسين كفاءة الشبكات، ورفع جاهزية المنظومة لمواجهة الأزمات.

ومع ذلك، تفرض الظروف الحالية الاستمرار في تطوير البنية التحتية، من خلال تحسين أنظمة الربط والتحكم، وزيادة قدرات التخزين المحلي، وبناء شبكات طوارئ مرنة، لتكون مصر دومًا مستعدة لامتصاص الصدمات الإقليمية والعالمية.

ثالثًا: الأمن السيبراني والمنشآت الحيوية في ظل تنامي الحرب الإلكترونية، تصبح منشآت الطاقة هدفًا استراتيجيًا. حماية هذه المنشآت لا تتعلق فقط بالأسوار، بل بإنشاء غرف تحكم بديلة، وتعزيز قدرات الدفاع السيبراني، وتدريب فرق الطوارئ على سيناريوهات معقدة.

رابعًا: إجراءات ترشيد عاجلة من منطلق العدالة والمسؤولية

تقليص ساعات تشغيل المحلات والمراكز التجارية لتغلق في الثامنة أو التاسعة مساءً.

إعادة توزيع الغاز بين القطاعات بما يضمن الأولوية للقطاع المنزلي والخدمي.

مراجعة دور مصانع الأسمدة والبتروكيماويات، مع التركيز على تلبية احتياجات السوق المحلي.

خامسًا: استراتيجية تنويع المصادر وتقليل الاعتماد على الغاز

الإسراع بدمج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الشبكة الوطنية.

التوسع في تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة.

تسريع خطوات تنفيذ مشروع الضبعة النووي كمصدر مستقر وغير مرتبط بأسعار الأسواق الفورية.

سادسًا: خطة طارئة شاملة لإدارة الأزمة على المدى القصير:

التحول إلى شراء الزيت الخام بدلاً من المازوت لتشغيل محطات الكهرباء، مع الاستفادة القصوى من الطاقة التكريرية الكبيرة التي تملكها مصر عبر معاملها المنتشرة في السويس، الإسكندرية، القاهرة، وأسيوط.

إعادة هيكلة تسعير الكهرباء تدريجيًا لتحقيق توازن مالي مع ضمان الحماية الاجتماعية.

إطلاق حملة وطنية بعنوان “الترشيد مسؤولية وطنية” لتغيير ثقافة الاستهلاك.

على المدى المتوسط:

تفعيل المجلس الأعلى للطاقة بما يواكب التحديات الجديدة، وتوسيع اختصاصاته ليصبح تابعًا مباشرة لرئيس الجمهورية.

تقديم حوافز إنتاجية وضريبية للقطاع الخاص والمواطنين لتوليد الطاقة المتجددة.

توسيع منظومة العدادات الذكية وربطها بأنظمة محاسبة دقيقة وفورية.

سابعًا: دعوة لحوار وطني شامل ومسؤول ندعو إلى عقد جلسة وطنية موسعة تضم الحكومة، البرلمان، النقابات المهنية، قطاع الطاقة، والأحزاب السياسية، لبلورة خطة استراتيجية وطنية، تتعامل مع ملف الطاقة باعتباره مسألة أمن قومي، لا تقبل التأجيل ولا الحلول الجزئية
واخيرا
لم تعد قضية الطاقة مسألة فنية أو اقتصادية فقط، بل تحوّلت إلى ركيزة أمنية وسياسية. ومصر، بما تمتلكه من طاقات بشرية، وخبرات فنية، وموقع استراتيجي، قادرة على تجاوز هذه المرحلة، شريطة وضوح الرؤية، وحدة القرار، وسرعة التنفيذ. دعونا ننتقل من رد الفعل إلى صناعة المستقبل، ومن الإدارة اليومية إلى التخطيط الاستراتيجي.

زر الذهاب إلى الأعلى
slot server jepang